تشهد صناعة التكنولوجيا تحولًا جذريًا مع دخولنا عصر جديد يتسم بالذكاء الاصطناعي المدمج في أجهزتنا المحمولة. فقد هيمنت شركتا آبل وجوجل على سوق الهواتف الذكية عبر نظامي التشغيل iOS وAndroid ومتاجر التطبيقات، مما شكل نموذجًا سائدًا في الصناعة التقنية على مدى العقد الماضي. إلا أن معلومات حديثة تكشف عن احتمالية تغييرات جذرية قد تهز هذا النموذج الراسخ.
في هذا الإطار، أعلنت شركة كوالكوم الأسبوع الماضي عن إطلاق معالج Snapdragon 8 Elite، الذي يتميز بأنوية (Oryon) الجديدة، ويقدم قوة معالجة تفوق العديد من معالجات الحواسيب المحمولة. يُعتبر هذا الكشف علامة بارزة في صناعة الهواتف الذكية.
وعبر هذا المعالج القوي، ستتمكن الهواتف الذكية من معالجة نماذج متقدمة من الذكاء الاصطناعي الذي كان يقتصر في السابق على مراكز البيانات الكبرى. ويأتي هذا التطور بالتزامن مع التقدم المستمر لشركات الذكاء الاصطناعي في تطوير نماذج أصغر وأكثر كفاءة، مما يمهد الطريق لتطبيقات ذكاء اصطناعي متنوعة في الأجهزة المحمولة.
لكن السؤالات المطروحة هي: كيف سيتعامل معالج كوالكوم الجديد مع المهام المتعلقة بالذكاء الاصطناعي؟ وكيف سيغير هذا التطور من أسلوب استخدامنا للتطبيقات؟ هل ستظل آبل وجوجل في مقدمة الصناعة وسط هذا التحول؟ وكيف ستتكيف الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي مع هذا الواقع الجديد؟
أداء معالج كوالكوم الجديد مع مهام الذكاء الاصطناعي
عملت كوالكوم على تصميم معالج (Snapdragon 8 Elite) ليوفر تجربة مستخدم محسنة بشكل كبير، حيث يركز على تعزيز الأداء وتسريع معالجة مهام الذكاء الاصطناعي التوليدية في الأجهزة المحمولة.
وأشار التقرير إلى أن المعالج الجديد يحتوي على الجيل الثاني من أنوية (Qualcomm Oryon) المخصصة، بالإضافة إلى وحدة معالجة الرسومات (Qualcomm Adreno) ووحدة المعالجة العصبية (Qualcomm Hexagon) المحسنة، مما يساهم في تحسين الأداء بشكل كبير.
تُعد وحدة المعالجة المركزية التي تعتمد على أنوية (Oryon) هي المحرك الأساسي لمعالج (Snapdragon 8 Elite)، حيث تقدم سرعة تفوق الجيل السابق بنسبة 45%، مع كفاءة استهلاك طاقة أعلى بنسبة 44% مقارنة بوحدات (Kryo) المستخدمة في المعالجات القديمة.
كما تبلغ سرعة المعالج الجديد 4.32 جيجاهرتز، مقارنة بسرعة 3.4 جيجاهرتز فقط في معالج (Snapdragon 8 Gen 3) المستخدم في الهواتف الرائدة العاملة بنظام Android مثل سلسلة هواتف (Galaxy S24) من سامسونج.
شهدت وحدة معالجة الرسومات (GPU) أيضًا تحسنًا بنسبة 40% في الأداء، مع زيادة قدرها 35% في تقنيات تتبع الأشعة للألعاب. في مجال الذكاء الاصطناعي، حقق المعالج قفزة نوعية بفضل وحدة المعالجة العصبية المحسنة من (Hexagon)، التي عززت الأداء بنسبة 45% مقارنةً بالجيل السابق.
بالإضافة إلى ذلك، يُزعم أن أنوية وحدة المعالجة المركزية (Oryon) الجديدة تتفوق على أحدث شريحة من إنتل، (Core Ultra)، مع شروط طاقة متساوية. حيث أكد الرئيس التنفيذي لشركة كوالكوم أن نواة Oryon الجديدة أسرع بنسبة 62% من معالج Core Ultra 7 Series 2 من إنتل، عند استخدام نفس القدرة.
وبفضل هذا المعالج المتقدم، سيكون الجيل القادم من الهواتف الذكية مؤهلًا للتعامل مع مهام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، مثل معالجة الصور والفيديو عبر الكاميرا، وتطبيق نماذج الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وGemini بكفاءة عالية.
تشير التوقعات إلى أن الهواتف الذكية المزودة بمعالج (Snapdragon 8 Elite) من شركات مثل سامسونج وأوبو وون بلس وفيفو وشاومي وهونر ستصل إلى الأسواق في الأسابيع المقبلة، مما يجعله أحد أهم التطورات التقنية في العام 2025.
تأثير الذكاء الاصطناعي على استخدام التطبيقات
يشهد عالم الهواتف الذكية تحولًا ملموسًا بفضل الذكاء الاصطناعي، حيث يرى الرئيس التنفيذي لشركة كوالكوم أن الذكاء الاصطناعي المدمج سيعيد تشكيل مفاهيمنا حول أنظمة التشغيل ومتاجر التطبيقات.
وأوضح أن تقنية (وكلاء الذكاء الاصطناعي) ستمنح المستخدمين القدرة على التفاعل مع هواتفهم بشكل أكثر طبيعية ومرونة، من خلال إمكانية إعطاء أوامر مباشرة للوكيل الذكي لتنفيذ المهام، بدلاً من التنقل بين التطبيقات.
يتفق العديد من الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي المدمج سيغير بشكل جذري طريقة تعاملنا مع الهواتف، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تعلم احتياجاتنا وتقديم حلول مخصصة بشكل فوري. تخيل وجود مساعد شخصي ذكي قادر على إتمام مهام معقدة مثل إلغاء الاشتراكات غير المرغوب فيها أو إدارة الميزانية الشخصية.
نجحت شركة كوالكوم وشركاؤها في تقديم أمثلة حول كيفية استخدام وكيل الذكاء الاصطناعي لإدارة المهام الروتينية خلال المؤتمر الأخير، حيث قدمت شركة (هونر) مثالًا على إمكانية استخدام وكيل الذكاء الاصطناعي للبحث في تطبيقات مثل Alipay وWeChat لإلغاء الاشتراكات المزعجة تلقائيًا.
تُعتبر هذه البداية فقط، حيث عرضت شركات أخرى مجموعة واسعة من التطبيقات المحتملة للذكاء الاصطناعي المدمج، بدءًا من تحسين جودة الصور وصولاً إلى التحقق التلقائي من الرصيد المصرفي قبل القيام بعمليات الشراء.
مستقبل آبل وجوجل في ظل هذا التحول
من غير المقدر أن تتخلى آبل وجوجل بسهولة عن السيطرة على أنظمة الهواتف الذكية المربحة التي أسستها، إذ تسابقت الشركتان للهيمنة على سوق الذكاء الاصطناعي المتنامي من خلال تطوير مساعديهما: سيري وGemini، ليكونا أكثر ذكاءً وقدرة على فهم اللغة الطبيعية وتنفيذ المهام المعقدة.
دمجت جوجل مساعدها Gemini بسلاسة في تجربة المستخدم على نظام أندرويد، حيث قدمت ميزة (Gemini Live) التي تتيح لمستخدمي أندرويد إجراء محادثات طبيعية وتفاعلية مع المساعد الخاص بها.
في الوقت نفسه، تتبع آبل استراتيجية متوازنة في تطوير مساعدها سيري، حيث تسمح للمطورين بتحديد نوايا تطبيقاتهم لتعزيز قدرة سيري، مع التركيز على ميزة (نوايا التطبيق) App Intents، مما يمكّن سيري من فهم أعمق لاحتياجات المستخدمين. على الجانب الآخر، تحرص آبل على الحفاظ على سيطرتها على منظومة التطبيقات والخدمات الرقمية من خلال تحسينها وإدماج الذكاء الاصطناعي فيها.
الهدف من هذا التنافس هو السيطرة على جزء أكبر من حياة المستخدمين الرقمية، حيث تسعى كل شركة لتجعل من مساعدها النقطة المركزية التي تتصل بها جميع خدماتها.
التكيف مع الواقع الجديد للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي
ينبغي على الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التركيز على فهم احتياجات المستخدمين وتقديم تجارب مخصصة. بدلاً من التنافس في سوق التطبيقات التقليدية، ينبغي أن تبحث هذه الشركات عن مشاكل جديدة وحلول مبتكرة تستفيد من قدرات الذكاء الاصطناعي المدمج.
كما يمكنها تطوير نماذج ذكاء اصطناعي أصغر وأكثر كفاءة، قادرة على العمل بفعالية في الأجهزة ذات الموارد المحدودة. علاوة على ذلك، يمكن للشركات الناشئة التعاون مع شركات تصنيع المعالجات مثل كوالكوم لتطوير حلول متكاملة.
الخلاصة
يُعتبر الذكاء الاصطناعي المدمج في الأجهزة المحمولة تطورًا ثوريًا سيغير من طريقة استخدامنا لهذه الأجهزة. مع زيادة قوة الأجهزة واحتدام المنافسة في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن نشهد تطبيقات مبتكرة وغير مسبوقة في حياتنا اليومية. يبقى السؤال الأهم: هل سنشهد نهاية عصر التطبيقات كما نعرفها اليوم، أم ستتطور هذه التطبيقات لتتكيف مع هذا الواقع الجديد؟