حددت وزارة الأوقاف المصرية موضوع خطبة اليوم الجمعة 18 أكتوبر 2025م بعنوان: “لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ”.

وأفادت وزارة الأوقاف أن الهدف من هذه الخطبة هو التنبيه على أهمية تعظيم حرمة الإنسان، وضرورة تجنب التنمر والتسلط عليه، أو إلحاق الأذى به، أو معايرته بعيب معين، أو الاستهزاء به سواء بالقول أو الفعل أو الإشارة، سواء في الواقع أو في الفضاء الافتراضي (السوشيال ميديا).

موضوع خطبة اليوم الجمعة

كذلك أكدت وزارة الأوقاف أن عناصر الخطبة تهدف إلى توضيح أهمية تعظيم حرمة الإنسان والتحذير من خطر التنمر والسخرية، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي.

نص خطبة اليوم الجمعة

وفيما يلي نص الخطبة، والتي جاءت على النحو التالي:

“لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ”

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد كما تقول، ولك الحمد خيرًا مما نقول، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهًا أحدًا فردًا صمدًا، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وخاتمًا للأنبياء والمرسلين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإن الإنسان بناء الله وصنعته، خلقه سبحانه بيده، وكرّمه وقدّره، وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلاً، فأرسل من أجله الرسل، وأنزل لهدايته الكتب، ولأجله جعل الدنيا والآخرة، وسخّر له ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه.

أيها السادة، إن هذا المخلوق المكرّم بتكريم الحق سبحانه له، مصون عرضه من أن يُخدش أو يُجرح أو يُنقَص من قدره؛ لذلك حرّم الله تعالى كل صور السخرية من الإنسان والتنمر والاستهزاء به، وجرّم كل ألوان الهمز واللمز والاحتقار، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

أَرَأَيْتُمْ، أيها الكرام، هذه المناهي المتصلة والمتتابعة، المسطّرة في الوحي الشريف عن كل ما شأنه أن ينال من شموخ الإنسان وعظمته ويحقّر من شأنه؟! “لَا يَسْخَرْ، وَلَا تَلْمِزُوا، وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ”، ثم انظر إلى هذا الختام الذي يخطف القلوب! {بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

يا سادة! إنها حرمة الإنسان التي تعادل حرمة يوم عرفة وحرمة شهر ذي الحجة وحرمة مكة المكرمة! اسمع إلى هذا البيان النبوي الشديد: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ؛ كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا”.

فكيف يجرؤ إنسان على تحقير من وقّره الله؟ وكيف يجرؤ على الاستهانة بمن عظّمه الله؟! فيقع في عرض إنسان متنمّرًا ساخرًا من شكله أو لونه أو طوله أو وزنه أو جنسه أو لغته أو حالته الاجتماعية، سواء كان ذلك بكلمة نابية أو فعل جارح أو إشارة مسيئة أو صورة ساخرة أو محتوى مشين مؤذٍ على مواقع التواصل الاجتماعي التي يكون ذنب التنمر فيها أشد؛ فهو ذنب مركّب من التنمر والسخرية والغيبة واحتقار الناس والاستهزاء بهم، وهي طوامّ بعضها فوق بعض!

إن السخرية تفرق القلوب، وتوغر الصدور، وتدل على انتكاس الفطرة وقلة الحياء، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: “بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم”، ويقول ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}: “إن الصغيرة التبسّم بالاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة القهقهة بذلك”!

أخي الكريم! ألا تعلم أن هذا الذي سُخر منه وتُنمّر به قد يكون عند الله أغلى وعند الناس أرقى؟! فهو أنقى ضميرًا، وأطيب قلبًا، وأزكى عملًا، فقد مرّ رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجلٍ عنده: “ما رأيك في هذا؟” فقال: رجلٌ من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفع. قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مرّ رجلٌ آخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما رأيك في هذا؟” فقال: يا رسول الله، هذا رجلٌ من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب أن لا يُنكح، وإن شفع أن لا يُشفع، وإن قال أن لا يُسمع لقوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هذا خيرٌ من ملء الأرض مثل هذا”.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فيا أيها الناس! لا يسخر قومٌ من قومٍ، فإن الإنسان السوي الذي يحترم نفسه ويعرف قدرها لا يرضى أن يحتقره أحد، أو يسخر منه، أو يتنمّر به، فكيف يرضى لغيره ذلك؟! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.

إن المؤمن الحيي الخلوق لا يسخر من أحد، ولا يتنمّر بأحد، ولا يحتقر أحدًا؛ لأنه يعلم أن الناس كلهم من آدم، وآدم من تراب، ويوقن أن أكرم الناس عند الله أتقاهم، وأن الإنسان التقي متواضع مخبت حيٌّ حافظ لسانه وقلبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تستقيم إيمان العبد حتى تستقيم قلبه، ولا تستقيم قلبه حتى تستقيم لسانه”.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.. واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.